فصل: ما وقع من أحداث سنة أربع وتسعين وستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.ما وقع من أحداث سنة اثنتين وتسعين وستمائة:

ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وستمائة:
ذكر إحضار صاحب حماة البريد إلى مصر وعمه علي البريد إلى مصر ثم مسيرهما من مصر مع السلطان الملك الأشرف إلى الشام والقبض على أولاد عيسى:
وفي هذه السنة في جمادى الأولى، أرسل السلطان الملك الأشرف، وأحضر الملك المظفر محمود صاحب حماة، وعمه الملك الأفضل علي، على البريد إلى الديار المصرية، فتوجها من حماة وعندهما الخوف، بسبب طلبهما على البريد، ووصلا إلى قلعة الجبل في اليوم الثامن من خروجهما من حماة، فحال وصولهما، شملتهما صدقات السلطان، وأمر بهما فأدخلا الحمام بقلعة الجبل،، وأنعم عليهما بملبوس يليق بهما، وأقاما في الخدمة أياماً.
ثم خرج السلطان على الهجن إلى جهة الكرك، وسارت العساكر على الطريق إلى دمشق، وأركب صاحب حماة وعمه الهجن صحجته، لأنهما حضرا إلى مصر على البريد، ولم يكن معهما خيل ولا غلمان، فرسم السلطان لهما ما يليق بهما من الهجن والغلمان، ورتب لهما المأكول والمشروب وما يحتاجان إليه، وسارا في خدمته إلى الكرك، ولاقتهما تقادمهما إلى بركة زيزا، فقدماها، وقبلها السلطان، وأنعم عليهما، وسار السلطان ودخل دمشق.
ثم سار السلطان من دمشق على البرية متصيداً، ووصل إلى الفرقلس، وهو جفار في طرف بلد حمص من الشرق، ونزل عليه وحضر إلى الخدمة هناك مهنا بن عيسى أمير العرب، وأخواه محمد، وفضل، وولده موسى بن مهنا، فقبض السلطان على الجميع وأرسلهم إلى مصر، فحبسوا في قلعة الجبل، ووصل السلطان إلى القصب، وأعطى صاحب حماة الدستور، فحضر إلى بلده، وأما عمه الملك الأفضل، فإنه كان قد حصل له تشويش، لما كان السلطان بحنيجل وما حواليها، فأعطاه السلطان الدستور، وأرسل والدي الملك الأفضل المذكور تقدمة ثانية معي إلى السلطان، ولم يقدر والدي على الحضور بسبب مرضه، فأحضرت التقدمة إلى السلطان الملك الأشرف، وهو نازل على القصب، فقبلها وارتحل وعاد إلى مصر، فوصل إليها في رجب من هذه السنة.
ذكر مسير العساكر إلى حلب:
وفى هذه السنة بعد وصول السلطان إلى مصر، كان قد أخر بعض العسكر المصري على حمص، فتقدم إليهم وإلى صاحب حماة وعمه الملك الأفضل بالمسير إلى حلب، والمقام بها، لما في ذلك من إرهاب العدو، فسارت العساكر إليها، وخرج الملك المظفر محمود صاحب حماة، وعمه الملك الأفضل، معهم، من حماة، يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان هذه السنة، ودخلوا حلب يوم الثلاثاء التاسع من سلخ شعبان إلى أوائل ذي القعدة، دخل تشرين، وآن وقت الصيد، وصل مرسوم.
ذكر مسير الملك الأفضل إلى دمشق ووفاته بها:
وفي هذه السنة في ذي القعدة، سار والدي الملك الأفضل، نور الدين علي ابن الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر ابن شاهنشاه بن أيوب، من حلب إلى دمشق، وتوفي بها في أوائل ذي الحجة من هذه السنة، أعني سنة اثنتين وتسعين وستمائة، وكان مولده في أواخر سنة خمس وثلاثين وستمائة.
وكان سبب مسير الملك الأفضل إلى دمشق، أنه لما كان هو والملك المظفر في صحبة السلطان، لما سار من مصر إلى الكرك في أوائل هذه السنة، حسبما ذكرناه، صار السلطان ينفرد للصيد بفهوده، ولا يستصحب معه إلا بعض من يختاره من الخاصكية، ووالدي الملك الأفضل المذكور خاصة، دون ابن أخيه صاحب حماة، وأعجب السلطان حديث الملك الأفضل المذكور، وخبرته بأمر الفهود والصيد، فقال السلطان في تلك الأيام للملك الأفضل المذكور: يا علاء الدين، ما تحضر إلى ديار مصر في أيام الصيد، لتكون معي في صيودي، فقد حصل الأنس بك، فقبل الملك الأفضل الأرض، ودعى للسلطان على تأهيله لذلك، فلما سار الملك المظفر محمود صاحب حماة، وعمه الملك الأفضل إلى حلب، وأقاما بها، من سلخ شعبان إلى أوائل ذي القعدة، ودخل تشرين، وآن وقت الصيد، وصل مرسوم السلطان إلى والدي الملك الأفضل يطلبه إلى الأبواب الشريفة بالديار المصرية، فسار الملك الأفضل من حلب في ذي القعدة، ولم يستصحب أحداً من أولاده معه، وكنا ثلاثة مجردين مع ابن عمنا الملك المظفر صاحب حماة، وتوجه والدنا بمفرده، فمرض في أثناء الطريق، ووصل إلى دمشق وقد اشتد به المرض، وفصد، فضعفت قوته، واشتد المرض به حتى توفي، ونقل إلى حماة ودفن بها، ووصلنا الخبر ونحن بحلب، فعملنا عزاه، واشتمل الملك المظفر علينا، وأحسن إلينا.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة أفرج السلطان الملك الأشرف، عن بدر الدين البيسري، وكان له في الاعتقال نحو ثلاث عشرة سنة. وفيها أفرج عن حسام الدين لاجين المنصوري، الذي كان نائباً بالشام. وفيها أعطيت العساكر الدستور، فعدنا إلى حماة، وأعطاني الملك المظفر ابن عمي إمرة طبلخاناه، وأربعين فارساً.

.ما وقع من أحداث سنة ثلاث وتسعين وستمائة:

ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة:
ذكر مقتل السلطان الملك الأشرف:
وفي هذه السنة، في أوائل المحرم، قتل السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون، وسبب ذلك: أنه سار من قلعة الجبل إلى الصيد، ووصل إلى تروجة ونصب الدهليز عليها، وركب في نفر يسير من خواصه للصيد، فقصده مماليك والده، وهم: بيدرا نائب السلطنة، ولاجين الذي كان عزله السلطان عن نيابة السلطنة بدمشق، واعتقله مرة بعد أخرى، وقراسنقر الذي عزله عن نيابة السلطنة بحلب، وانضم إليهم بهادر، رأس النوبة، وجماعة من الأمراء، ولما قاربوا السلطان، أرسل إليهم أميراً يقال له كرت، أمير أخور، ليكشف خبرهم، فحال وصوله إليهم أمسكوه ولم يمكنوه من العود إلى السلطان، وقاربوا السلطان، وكان بينهم مخاضة، فخاضوها ووصلوا إليه، فأول من ضربه بالسيف بيدرا، ثم لاجين، حتى فارق، وتركوه مرمياً على الأرض، فحمله أيدمر الفخري والي تروجة إلى القاص، فدفن في تربته، رحمه الله تعالى، ولا جرم، إن الله تعالى انتقم من قاتليه المذكورين معجلاً ومؤجلاً، على ما سنذكره.
ذكر مقتل بيدرا:
ولما قتل السلطان على ما ذكرناه، اتفق الجماعة الذين قتلوه على سلطنة بيدرا، وتلقب بالملك القاهر، وسار نحو قلعة الجبل ليملكها، واجتمعت مماليك السلطان الملك الأشرف وانضموا إلى زين الدين كتبغا المنصوري، وساروا في إثر بيدرا ومن معه، فلحقوهم على الطرانة في خامس عشر المحرم من هذه السنة، واقتتلوا، وانهزم بيدرا وأصحابه وتفرقوا في الأقطار، وتبعوا بيدرا وقتلوه، ورفعوا رأسه على رمح، واستتر لاجين، وقرا سنقر، ولم يطلع لهما على خبر.
ذكر سلطنة مولانا السلطان الأعظم الملك الناصر:
ولما جرى ما جرى من قتل السلطان الملك الأشرف، ثم قتل بيدرا، ووصول زين الدين كتبغا والمماليك والسلطانية إلى قلعة الجبل، وبها علم الدين سنجر الشجاعي نائباً، اتفقوا على سلطنة مولانا السلطان الأعظم الملك الناصر ولد مولانا السلطان الملك المنصور، فأجلسوه على سرير السلطنة في باقي العشر الأوسط من المحرم من هذه السنة، وتقرر أن يكون الأمير زين الدين كتبغا المنصوري نائب السلطنة، وعلم الدين سنجر الشجاعي وزيراً، وركن الدين بيبرس البرجي الجاشنكير أستاذ الدار، وتتبعوا الأمراء الذين اتفقوا مع بيدرا على ذلك، فظفروا أولاً ببهادر رأس النوبة، وأقوش الموصلي الحاجب، فضربت رقابهما، وأحرقت جثثهما، ثم ظفروا بطرنطاي الساقي، والناق ونغية، وأروس السلحدارية، ومحمد خواجا، والطنبغا الجمدار، وأقسنقر الحسامي، فاعتقلوا بخزانة البنود أياماً، ثم قطعت أيديهم وأرجلهم، وصلبوا على الجمال، وطيف بهم، وأيديهم معلقة في أعناقهم جزاء بما كسبوا، ثم وقع قجقار الساقي فشنق.
ذكر القبض على الوزير ابن السلعوس وقتله:
وفي هذه السنة اتفق زين الدين كتبغا والشجاعي، على القبض على شمس الدين محمد بن السلعوس وزير السلطان الملك الأشرف، فقبضا عليه، وتولاه الشجاعي فعاقبه واستصفى ماله وقتله، وكان ابن السلعوس المذكور، قد بلغ عند السلطان منزلة عظيمة، وتمكن في الدولة، وصارت الأمور كلها معذوقة به، وكان لابن السلعوس المذكور أقارب وأهل بدمشق، فلما صار في هذه المنزلة، أرسل وأحضر أقاربه من دمشق إلى عنده بالديار المصرية، فحضروا إلا شخصاً منهم، فإنه استمر مقيماً بدمشق، وكتب إلى ابن السلعوس:
تنبه يا وزير الأرض واعلم ** بأنك قد وطئت على الأفاعي

وكن بالله معتصماً فإني ** أخاف عليك من نهش الشجاعي

ذكر قتل الشجاعي:
وفي صفر من هذه السنة، حصلت الوحشة بين الأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة، وبين علم الدين سنجر الشجاعي الوزير، وصار مع كل منهما جماعة من الأمراء، ولما جرى ذلك، نزل كتبغا ومن معه من القلعة، واستمر الشجاعي وأصحابه بها، وحصره كتبغا، وغلب عليه، وقتل الشجاعي المذكور وقطع رأسه، وطيف به في البلد.
وفيها ظهر حسام الدين لاجين، وشمس الدين قراسنقر من الاستتار، وأخذ لهما خوشداشهما، الأمير زين الدين كتبغا، الأمان من السلطان، وقرر لهما الإقطاعات الجليلة، وأعز جانبهما.

.ما وقع من أحداث سنة أربع وتسعين وستمائة:

ثم دخلت سنة أربع وتسعين وستمائة:
ذكر استيلاء زين الدين كتبغا على المملكة:
في هذه السنة في يوم الأربعاء تاسع المحرم، جلس الأمير زين الدين كتبغا المنصوري على سرير المملكة، ولقب نفسه الملك العادل زين الدين كتبغا، واستحلف الناس على ذلك، وخطب له بمصر والشام، ونقشت السكة باسمه، وجعل مولانا السلطان الملك الناصر في قاعة بقلعة الجبل، وحجب عنه الناس، ولما تملك زين الدين كتبغا المذكور، جعل نائبه في السلطنة، حسام الدين لاجين، الذي كان مستتراً بسبب قتل السلطان الملك الأشرف، على ما تقدم ذكره، واستقر الحال على ذلك.
ذكر قتل كيختو ملك التتر وملك بيدو:
في هذه السنة، في ربيع الآخر، قتل كيختو بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان. وسبب ذلك: أنه لما أفحش كيختو المذكور بالفسق في أبناء المغل، وشكوا ذلك إلى ابن عمه بيدو بن طرغية بن هولاكو، فاتفق معهم على قتل كيختو المذكور، وقصدوا كبسه وقتله، فعلم كيختو وهرب، فتبعوه ولحقوه بسلاسلار، من أعمال موغان، وقتلوه بها، في الشهر المذكور، ولما قتل كيختو، ملك بعده ابن عمه بيدو بن طرغية بن هولاكو المذكور، وجلس على سرير الملك في جمادى الأولى من هذه السنة. وكان قازان بخراسان، فلما بلغه ملك بيدو، جمع من أطاعه من المغل وأهل تلك البلاد، وسار إلى قتال بيدو، ولما بلغ بيدو مسير قازان إليه، جمع وسار إلى جهة قازان، وكان مع قازان أتابكه نيروز، وهو الذي جمع الناس على طاعة قازان، فلما تقارب الجمعان، علم قازان أنه لا طاقة له ببيدو، فراسله واصطلحا، وعاد قازان إلى خراسان، وأمر بيدو أن يقيم نيروز عنده، خوفاً من أن يجمع العسكر على قازان مره ثانية، فرجع قازان إلى خراسان، وأقام نيروز عند بيدو، وأخذ نيروز في استمالة المغل إلى قازان، وإفسادهم على بيدو في الباطن.
ذكر مقتل بيدو وتملك قازان:
ولما استوثق نيروز من المغل في الباطن، كتب إلى قازان بخراسان وأمره بالحركة، فتحرك قازان، وبلغ بيدو ذلك، فتحدث مع نيروز في ذلك فقال نيروز لبيدو: أرسلني إلى قازان لأفرق جمعه، وأرسله إليك مربوطاً، فاستحلف بيدو نيروز على ذلك وأرسله، فسار نيروز إلى قازان وأعلمه بمن معه من المغل، وعمد نيروز إلى قدر، فوضعها في جولق وربطه، وأرسل بذلك إلى بيدو وقال: وفيت بيميني، حيث ربطت قازان وبعثته إليك، وقازان اسم القدر بالتتري، فلما بلغ بيدو دلك، جمع عساكره وسار إلى جهة قازان، والتقى الجمعان بنواحي همذان، فخامر أصحاب بيدو عليه وصاروا مع قازان، فولى بيدو هارباً، وتبعه عسكر قازان فأدركوه عن قريب بنواحي همذان، وقتلوه في ذي الحجة من هذه السنة، فكانت مدة مملكة بيدو نحو ثمانية أشهر، ولما قتل استقر قازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان في المملكة، في ذي الحجة من هذه السنة، أعني سنة أربع وتسعين وستمائة، بعد مقتل بيدو، ولما استقر قازان في المملكة، جعل نيروز نائب مملكته، ورتب أخاه خربندا بن أرغون بخراسان.
ذكر أخبار ملوك اليمن ووفاة صاحبها:
وفي هذه السنة، توفي صاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف ابن الملك المنصور عمر بن علي بن رسول، بقلعة تعز، وقد تقدم ذكر ملكه اليمن بعد قتل أبيه في سنة ثمان وأربعين وستمائة، فكانت مدة ملكه نحو سبع وأربعين سنة، وخلف عدة من الأولاد الذكور، فملك بعده ولده الأكبر، الملك الأشرف عمر بن يرسف، وكان أخو عمر المذكور، الملك المؤيد داود، بالشحر، عند موت والده، لأن أباه كان قد أعطى داود المذكور الشحر، وأبعده إليها، فلما مات والده وملك آخره الملك الأشرف، تحرك الملك المؤيد داود المذكور وسار إلى عدن واستولى عليها، فأرسل أخوه الملك الأشرف عسكراً واقتتلوا مع الملك المؤيد داود المذكور، فانتصروا عليه وأخذوه أسيراً وأحضروه إلى الملك الأشرف، فقيده واعتقله، وكان عمر الملك الأشرف لما تملك نحو سبعين سنة، وأقام في الملك عشرين شهراً، وتوفي والملك المؤيد داود في الاعتقال مقيداً، فاتفق كبراء الدولة في ذلك الوقت، وأخرجوه من الحبس، وملكوا الملك المؤيد داود بن يوسف المذكور، واستمر مالكاً لليمن إلى يومنا هذا، وهو سنة ثمان عشرة وسبعمائة:
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة أرسل الملك العادل زين الدين كتبغا، وقبض على خشداشه عز الدين أيبك الخزندار، وعزله عن الحصون والسواحل بالشام، ثم أفرج عنه واستناب موضعه عز الدين أيبك الموصلي.
وفيها قصر النيل تقصيراً عظيماً، وتبعه غلاء، وأعقبه وباء وفناء عظيم.
وفيها في أوائل هذه السنة، لما جلس في السلطنة زين الدين كتبغا، أفرج عن مهنا بن عيسى وإخوته، وأعادهم إلى منزلتهم.